بسم الله وكفىَّ والصلاة والسلام علىَّ منْ إصطفىَّ سيدنا محمد الرسول الصادق الأمين المصطفىَّ ..
الحمد والشكر لله حتىَّ يرضىَّ الذي منّ على عباده بمواسم الخيرات، ليغفر لهم الذنوب، ويجزل لهم الهبات، وفق من شاء لاغتنامها فأطاعه وأتقاه , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.. ثم أما بعد..
۩۞۩ بشـارة رمضـــان ۩۞۩
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : " أتاكم رمضان شهر مبارك. فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم ". رواه أحمد والنسائي وإسناده صحيح.
في هذا الحديث بشارة لعباد الله الصالحين بقدوم شهر رمضان الفضيل ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر الصحابة رضي الله عنهم بقدومه، وهذا معناه بشارتهم بموسم عظيم، يقدره حقّ قدره الصالحون المبشمرون، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم بين فيه ما هيأ الله لعباده من أسباب المغفرة والرضوان وهي أسباب كثيرة، فمن فاتته المغفرة في رمضان فهو محروم غاية الحرمان.
الأخوة والأخوات , الأحبة في الله .. إن من فضل الله تعالى ونعمه العظيمة على عباده، أن هيأ لهم المواسم الفاضلة لتكون مغنماً للطائعين، وميداناً لتنافس المتنافسين. وإن المواسم موضوعة لبلوغ الأمل بالاجتهاد في الطاعة ورفع الخلل والنقص بالاستدراك والتوبة ( وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعاته يتقرّب بها إليه، ولله لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه ، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات. فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات .
إن واجب المسلم الذي بلغه الله شهر رمضان استشعار هذه النعمة، ومعرفة قدرها، فإن كثيراً من الناس حرموا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عنه، أو بضلالهم وإعراضهم عنه، فليحمد الصائم ربه على هذه النعمة، ويستقبل شهره بالفرح والاغتباط بموسم عظيم من مواسم الطاعة ، وأن يجتهد في أعمال الخير، ويدعوا الله تعالى أن يرزقه صيامه وقيامه، وأن يرزقه فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط، ويوقظه من رقدة الغفلة ليغتنم مواسم الطاعات والخيرات.
مُلاااحظة مؤسفة ..!!
مما يُؤسف!! عليه ملاحظة أن كثيراً من الناس لا يعرفون لمواسم الخيرات قيمة أو حُرمة !!.. ، فلم يكن شهر رمضان موسم طاعةٍ وعبادة وتلاوة قرآن وصدقة وذكر الله تعالى. بل إن هذا الشهر المُبارك عند بعض الناس موسماً لتنويع المآكل والمشارب. وإشغال ربات البيوت بصنوف الأطعمة!! ، وبعض الناس لا يعرفون رمضان إلا أنه شهر السهر بالليل، والنوم بالنهار، حتى إن منهم من ينام عن الصلوات المفروضة فلا يصلي مع الجماعة!. ، بل ولا في وقت الصلاة..!!, وفئة من الناس لا يعرفون رمضان إلا أنه موسم من مواسم الدنيا، لا من مواسم الآخرة. فينشطون فيه على البيع والشراء، ويلازمون الأسواق ويهجرون المساجد. وإن صلوا مع الناس فهم على عجل من أمرهم !!!، وهكذا تغيرت المفاهيم، وفسدت الموازين، فالله المستعان ..
يقول بعض السلف: (إن الله تعالى جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته. فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا)
وما يدري الإنسان فلعل هذا الشهر هو آخر رمضان في عمره. فكم صام معنا العام الماضي من الرجال والنساء والشباب؟؟.. وهم الآن تحت أطباق الثرى، مرتهنون بأعمالهم، وقد أمّلوا صيام رمضانات عديدة، ونحن على دربهم سائرون، فعلى المسلم أن يفرح بمواسم الطاعة. ولا يفرط فيها. بل يشتغل بما يدوم نفعه. ويبقى أثره. وما هي إلا أيام معدودات تصام تباعاً. وتنقضي سراعاً.
وجوب صيام رمضان
إن من أسرار شهر رمضان أنه عبادة لله تعالى يتقرب العبد فيها إلى ربه بترك ما يحب ويشتهي، طاعة لربه، وامتثالاً لأمره، فيظهر بذلك صدق إيمانه، وكمال عبوديته لله، وقوة محبته له. ورجائه ما عنده، لأنه علم أن رضا مولاه في ترك شهواته، فقدّم رضا مولاه على هواه، ولهذا كان كثير من المؤمنين لو ضرب أو حبس على أن يفطر يوماً من رمضان بلا عذر لم يفعل.
من حكـم الصيـام
1) أنه سبب التقوى، وتزكية النفس، بطاعة الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) سورة البقرة (43) , والتقوى جماع خيري الدنيا والآخرة، وكلُّ ثمرة من ثمار الصيام فهي ناشئة عن التقوى.
2) حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتضييق مجاري الشيطان من العبد، بتضييق الطعام والشراب، فيضعف نفوذ الشيطان، وتقل المعاصي.
3) أن القلب يصفو، ويتخلى للفكر والذكر، لأن تناول الشهوات يقسّي القلب، ويعمي عن الحق، والصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها وقوتها.
4) معرفة نعمة الله على العبد بالشبع والرّي إذا تذكر بالصيام الأكباد الجائعة من الفقراء والمساكين، فيشكر ربّه ويحسُّ بآلام إخوانه المعدمين. والنعم لا يعرف قدرها إلا بفقدها.
5) الفوائد الصحية، التي تحصل بتقليل الطعام. وحفظ صحة البدن بترتيب أوقات الوجبات، وإراحة جهاز الهضم مدة معينة.
وبالجملة فحكم الصيام عظيمة. وفوائده كثيرة، وقد رتب الله عليه من جزيل الثواب وعظيم الأجر. ما لو تصورته نفس صائمة لطارت فرحاً وتمنت أن تكون السنة كلها رمضان.
وقد دلت النصوص على أن من أدى الواجبات والفرائض وترك المحرمات، فهو من أهل الجنة، لما ورد عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام , فقال يارسول الله: أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟ فقال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً"فقال : أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام . فقال :شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً . فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة. قال فأخبروه النبي صلي الله عليه وسلم بشرائع الإسلام. قال: والذي بعثك بالحق لا أتطوع شيئاً، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً فقال رسول الله : "أفلح إن صدق. أو دخل الجنة إن صدق" رواه البخاري ومُسلم ..
حديث في الصيام شرعاً
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "كلُّ عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها على سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي ..... الحديث" [رواه البخاري ومسلم].
فالحمد لله الذي شرع العمل ووفق للقيام به ورتب عليه الأجر، هو أهل التقوى وأهل المغفرة.
اللهم أهله علينــا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأعنّا على الخير يا من إذا استعين أعان، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين , اللهم وأجعل التقوى لنا أربح بضاعة، ولا تجعلنا من أهل التفريط والإضاعة، وآمن خوفنا يوم تقوم الساعة، و وفقنا لاتباع الهدى، وجنّبنا أسباب الهلاك والشقاء. وأرزقنا الفقه في الدين، والوفاة على سنّة خاتم النبيين، وصلى الله وسلم وبارك على الصادق الهادي المُعلم الآمين نبينا محمد عليه وآله وصحابه ومن عمل بسنته إلي يوم الدين آمين ...